Selasa, 10 Juni 2008

WASPADA



يُروى أن الإمام أبا حنيفة (رحمه الله)، كان يسير يومًا فرأى صبيًّا يلعب بالقرب من الطين فقال: "إياك يا صبي والسقوط في الطين، فقال الصبي: بل إياك أنت يا إمام، إياك والسقوط، فإن سقوط العَالِمْ سقوط العالَم" (1).

إن أقوى وأجدى سلاح يتسلح به الداعية ضد مروِّجي الشبهات أن يتنزه ابتداءً عن مواطن الشبهات، إذ الوقاية خير من العلاج، والأولى بالمسلم ألا يعرض نفسه ولا دعوته إلى موطن شبهة حتى لا يضطر إلى معالجة آثارها التي ترهق الدعوة والداعية أيما إرهاق.

إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كما أن الباب الذي يأتيك منه الريح يحسن بك أن تسده لتستريح.

روى الإمامان البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات واقع الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه".
وأخرج النسائي والترمذي في السنن والحاكم وصححاه عن الحسن بن علي (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".

وروى البخاري ومسلم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يسير ومعه الحسن بن علي وكان صبيًّا، فيأخذ الحسن تمرة على الأرض فيأخذها ويضعها في كيس، فيقول (صلى الله عليه وسلم): "كخٍ كخٍ- وهي كلمة زجر لما يُستقذر- ارم بها علها أن تكون من مال الصدقة".

وروى أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: "كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافةَ أن نقع في الحرام" (2).

وقال أبو الدرداء (رضي الله عنه): "إن من تمام التقوى أن يتقي العبد في مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشيةَ أن يكون حرامًا حتى يكون حجابًا بينه وبين النار" (3).

وكان يوزن بين يدي عمر بن عبد العزيز مسك للمسلمين، فأخذ بأنفه حتى لا تصيبه الرائحة وقال: "وهل يُنتفع منه إلا بريحه" (4).

وجاءت امرأة إلى الإمام أحمد بن حنبل فقالت: إنا قوم نغزل على السطوح، فيمر بنا الحرس حاملي المشاعل، فهل يجوز لنا أن نغزل على ضوئهم؟ نحن لم نستأذنهم في الانتفاع بضوئهم فهل يجوز لنا أن ننتفع بضوئهم؟ قال: "مَن أنت رحمك الله؟" قالت: أخت بشر الحافي، قال: "من بيتكم يخرج الورع، لا يجوز يا أختاه" (5).

يقول الدكتور عبد الكريم زيدان: "وإذا كان أهل الباطل يثيرون الشبهات ويفترون الأكاذيب في وجه الدعوة وضد الداعي، فعلى الداعي أن يبتعد عن مواضع الشبهات حتى لا يتعلق المبطلون بها ويتخذونها تكأة لافترائهم، وقد دلَّ القرآن الكريم على ضرورة الابتعاد عما قد يتشبث به أهل الباطل في إثارتهم الشبهات، ومن هذه الدلالات القرآنية:

أولاً: كان رسل الله جميعًا يقولون لأقوامهم: لا نريد منكم على دعوتنا مالاً، ولا أجرًا لأن أجرنا على الله وحده، قال تعالى عن نوح (عليه السلام): ﴿وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ﴾ (هود: من الآية 29). ويقول الله تعالى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)﴾ (سبأ).

وجه الدلالة في هذه الآية والتي قبلها وغيرها مثلها، أن الرسل الكرام لو طلبوا مالاً أو أجرًا على دعوتهم لتعلَّق أهل الباطل بذلك، وجعلوه شبهةً يثيرونها ليصدوا الناس عن الدعوة والدعاة فيقولون: إن هؤلاء طلاب مال.

ثانيًا: قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)﴾ (العنكبوت) ووجه الدلالة أن الله تعالى أبعد رسوله الكريم- صلى الله عليه وسلم- عن تعلُّم الكتابة والقراءة دفعًا لما قد يتشبث به المبطلون فيدَّعون أن ما جاء به تعلّمه من كتب قديمة قرأها واستنسخها، بل يمكن القول إن الداعي يترك بعض ما فيه فائدة لدفع ضرر الشبهة الباطلة؛ لأن تعلّم القراءة والكتابة فيهما نفع، ولكن دفع ضرر الشبهة الباطلة أكثر نفعًا، فقدَّم الدفع على هذا النفع.
ثالثًا: وقد قال تعالى عن رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)﴾ (يس) فمنع الله تعالى رسوله من تعلّم الشعر وإنشائه حتى لا يكون ذلك وسيلةً بيد أهل الباطل يبنون عليها شبهاتهم الباطلة.
والواقع أن الدعاة إلى الله تعالى محتاجون أكثر من غيرهم إلى الابتعاد عن كثيرٍ من المباح الذي قد يتشبث به أهل الباطل ويجعلونه مثارًا لشبهاتهم وللصد عن سبيل الله.
ولكن يجب التنبُّه لما يجب توقيه دفعًا للشبهة، وما يجب مباشرته لأنه من الدعوة وإن ظنَّ أنه من الشبهة، وهذا موضع دقيق يكثر فيه الخطأ، ويحتاج إلى تفصيل يكفينا منه هنا أن نقول: يسع الداعي أن يترك ما يخص نفسه وحظوظه المباحة دفعًا هنا للشبهة، وقد يجب أو يندب هذا الترك، ولا يسع الداعي أن يترك ما يخص صميم الدعوة أو ما يتصل بها اتصالاً مباشرًا، أو يتعلق بنهجها وأسلوبها، فلا يجوز مثلاً ترك دعوة الأمير والدخول عليه لهذا الغرض بحجة دفع شبهة تَقَوُّل الناس أنه من بطانة الأمير أو أنه يداهن الأمير" (6).

وقد كانت عناية الله تعالى حاضرةً للدعوة الإسلامية في لحظات ميلادها، إذ "كانت تتقصد دائمًا أن تبتعد عن مواطن الشبهات التي قد تثير في وجه الخطاب الدعوي النبوي زوابع التشكيك؛ فلقد اختير الرسول- صلى الله عليه وسلم- في سن الأربعين حتى لا يُقال غلام، واختير كامل الخلق حتى لا يتنقص من خلقته، ويكون الاستهزاء به حاجزًا بينه وبين دعوة الناس، واختير أميًّا حُرِمَ نعمة القراءة حتى يقطع الطريق على مَن سيتهمونه بنقل الكتب السابقة، وكلها اختيارات لا صلةَ لها بأصول الإسلام، وإنما هي مجرد مراعاة حكيمة للوضع، تجنبًا للتشويش بالشبهات" (7).

وصدق الإمام الشافعي حينما قال:

يا واعـظ الناس عمـا أنت فاعله يا مـن يُعَدُّ عليه العمر بالنفـس

احفظ لشيبك مـن عيبٍ يدنـسه إن البياضَ قليـل الحمل للدنـس

كحاملٍ لثـياب الناس يغسـلهـا وثوبه غارقٌ في الرجس والنـجس

تبغي النجـاة ولم تسلـك طريقتها إن السفينةَ لا تجري عـلى اليبس

ركوبك النعش يُنـسيك الركوب على ما كـنت تركب من بغلٍ ومن فـرس

Tidak ada komentar: