Sabtu, 13 September 2008

Yusuf


يوسف- عليه السلام- ,

حمدًا لله تعالى، وصلاةً وسلامًا على حبيبنا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..


فإن تأملاتنا في هذه الحلقة، سوف تدور حول بعض المعاني اللطيفة، التي اشتملت عليها سورة يوسف عليه السلام، ذلكم النبي المبتلى بالشر والخير، بالبأساء والضراء، بالرق والعبودية والسيادة والملك. ويوسف نبي، وأبوه يعقوب نبي، وجده إسحاق نبي، وجد أبيه هو إبراهيم أبو الأنبياء عليهم جميعًا صلوات الله وتسليماته، قال عنه رسول الله- صلى الله عليه سلم-: "الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، يوسف، بن يعقوب، بن إسحاق، بن إبراهيم" ( حديث صحيح رواه البخاري).


وهذه السورة مكية كلها، وقال بن عباس وقتادة: إلا أربع آيات منها. وروي أن اليهود، سألوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن قصة يوسف، فنزلت السورة، وقال سعد بن أبي وقاص: أنزل القرآن على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتلاه عليهم زمانًا، فقالوا: لو قصصت علينا فنزل: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ (يوسف: من الآية 2)، فتلاه عليهم زمانًا، فقالوا: لو حدثتنا، فأنزل: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ (الزمر: من الآية 23)، قال العلماء: وذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن وكررها بمعنى واحد في وجوه مختلفة بألفاظ متباينة على درجات البلاغة، وقد ذكر قصة يوسف ولم يكررها، فلم يقدر مخالف على معارضة ما تكرر، ولا على معارضة غير المتكرر، والإعجاز لمن تأمل، ولقد اشتمل القرآن المكي على كثير من القصص: قصص الأنبياء والسابقين من الأمم التي خلت من قبل، حتى يسري عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويزيل عنه ما كان يصيبه من هموم وأحزان، بسبب إعراض قومه عن دعوته، وإيذائهم له عليه الصلاة والسلام، وحتى تأخذ الأمة العبرة والعظة من السابقين المكذبين والمعاندين. ﴿فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)﴾ (العنكبوت)، ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)﴾ (يوسف).


إن الله- سبحانه- يقص على نبيه الكريم قصة أخ له كريم- يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين- وهو يعاني صنوفًا من المحن والابتلاءات: محنة كيد الإخوة، ومحنة الجب والخوف والترويع فيه، ومحنة الرق وهو ينتقل كالسلعة من يد إلى يد على غير إرادة منه، ولا حماية ولا رعاية من أبويه ولا من أهله، ومحنة كيد امرأة العزيز والنسوة، وقبلها ابتلاء الإغراء والشهوة والفتنة! ومحنة السجن بعد رغد العيش وطراوته في قصر العزيز، ثم محنة الرخاء والسلطان المطلق في يديه، وهو يتحكم في أقوات الناس وفي رقابهم، وفي يديه لقمة الخبز التي تقوتهم! ومحنة المشاعر البشرية وهو يلقى بعد ذلك إخوته، الذين ألقوه في الجب وكانوا السبب الظاهر لهذه المحن والابتلاءات كلها، هذه المحن والابتلاءات، التي صبر عليها يوسف- عليه السلام- وزاول دعوته إلى الإسلام من خلالها، وخرج منها كلها متجردًا خالصا؛ آخر توجهاته، وآخر اهتماماته، في لحظة الانتصار على المحن جميعًا؛ وفي لحظة لقاء أبويه ولم شمله؛ وفي لحظة تأويل رؤياه وتحققها كما رآها: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)﴾ (يوسف) آخر توجهاته، وآخر اهتماماته في هذه اللحظة هي التوجه المخلص المتجرد المنيب إلى ربه، منخلعًا من هذا كله بكليته، كما يصوره القرآن الكريم:

﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)﴾ (يوسف).


وهكذا كانت طلبته الأخيرة، بعد ذلك كله وهو في غمرة السلطان والرخاء ولمة الشمل، أن يتوفاه ربه مسلمًا، وأن يلحقه بالصالحين، وذلك بعد الابتلاء والمحنة، والصبر الطويل والانتصار الكبير.


يخطئ البعض حين يظن أن يعقوب عليه السلام قد انطلت عليه مؤامرة قتل يوسف، وأنه صدق أبناءه أنه قد مات، لأن يعقوب، إذا صدق أن يوسف قد مات، فإنه لا معنى للرؤيا التي رآها يوسف: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ فإذا كان قد مات فمتى تتحقق هذه الرؤيا؟. وهناك أمر آخر يدل على أن يعقوب كان على يقين أن يوسف لم يمت، ألا وهو قوله لبنيه: ﴿يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ (87)﴾ (يوسف) فإذا كان قد صدق أن يوسف قد مات، فلماذا يأمرهم بالبحث عنه؟ مع الوضع في الاعتبار أنه نبي، ومعاذ الله أن يهذي، أو يقول ما لا يعقل! وأمر ثالث، أن يعقوب نهاهم عن الدخول من باب واحد، وأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة، حتى يستطيع يوسف أن ينفرد بأخيه، ويعرفه بنفسه، ويطمئنه على ما سوف يكون. ﴿وَقَالَ يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)﴾ (يوسف).


والأمر الأخير الذي يدل على أن يعقوب، كان على يقين أن يوسف حي يرزق، أنه بعد أن جاءه القميص فشمه وعاد إليه بصره، قال: ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون. فهذا يدل على أنه كان يعلم عن يوسف ما لا يعلمه إخوته، ولو كان لا يعلم ذلك، لَمَاَ وافق على إرسال ابنه معهم وهو يعلم خيانتهم في يوسف، ولَمَا قال: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)﴾ (يوسف) وتأمل قول الله تعالى: ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (96) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)﴾ (يوسف).


ويستفاد من قصة يوسف بعض الأمور منها:

* أن في قصة يوسف، تنبيهًا على بطلان الحيل، وأن من كاد كيدًا محرمًا، فإن الله يكيده ويعامله بنقيض قصده، وبمثل عمله، وهذه سنة الله في أرباب الحيل المحرمة، أنه لا يبارك لهم فيما نالوه بهذه الحيل، ويهيئ لهم كيدًا على يد من يشاء من خلقه، يجزون به من جنس كيدهم وحيلهم.


* وفيها تنبيه على أن المؤمن المتوكل على الله إذا كاده الخلق، فإن الله يكيد له وينتصر له بغير حول منه ولا قوة.


* وفيها دليل على أن وجود المسروق بيد السارق، كافٍ في إقامة الحد عليه، بل هو بمنزل إقراره، وهو أقوى من البينة، وغاية البينة أن يستفاد منها ظن، وأما وجود المسروق بيد السارق، فيستفاد منه اليقين. وبهذا جاءت السنة في وجوب الحد بالحبل- الحمل- والرائحة في الخمر، كما اتفق عليه الصحابة، والاحتجاج بقصة يوسف على هذا أحسن وأوضح من الاحتجاج بها على الحيل.


* وفيها تنبيه على أن العلم الخفي، الذي يتوصل به إلى المقاصد الحسنة، مما يرفع الله به درجات العبد، لقوله بعد ذلك ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (يوسف: من الآية 76) قال زيد بن أسلم وغيره: بالعلم، وقد أخبر تعالى عن رفعه درجات أهل العلم في ثلاثة مواضع من كتابه: أحدها قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)﴾ (الأنعام) فأخبر أنه يرفع درجات من يشاء بعلم الحجة، وقال في قصة يوسف: ﴿كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ فأخبر أنه يرفع درجات من يشاء بالعلم الخفي، الذي يتوصل به صاحبه إلى المقاصد المحمودة. وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)﴾ (المجادلة) فأخبر أنه يرفع درجات أهل العلم والإيمان.


وفي السور دروس كثير، وحسبي ما ذكرت، مخافة الإطالة، سائلاً الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علمًا، كما أسأل الله تعالى أن يرزقنا خلق الأنبياء وأن يحشرنا معهم، اللهم آمين

Rabu, 10 September 2008

TARAWEH


Asww

الإسراع في صلاة التراويح

تلقى فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي استفساراً يقول: ما حكم الإسراع في صلاة التراويح ؟

وقد أجاب فضيلته على السائل بقوله: الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد : ثبت في الصحيحين عن رسو ل الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) . فالله سبحانه وتعالى شرع في رمضان في نهاره الصيام ، وشرع عل لسان رسوله في ليله القيام ، وجعل هذا القيام سبباً للتطهر من الذنوب والخطايا .. ولكن القيام الذي تغفر به الذنوب ، وتغسل فيه الأدناس ، هو الذي يؤديه المسلم كاملا بشروطه وأركانه وآدابه وحدوده . وقد علمنا أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة كقراءة الفاتحة ، وكالركوع وكالسجود.. فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أساء بعض الناس الصلاة أمامه ولم يؤد لها حقها من الاطمئنان ، قال له : (ارجع فصل ، فإنك لم تصل) .. ثم علمه كيف تكون الصلاة المقبولة فقال له: (اركع حتى تطمئن راكعاً ، واعتدل حتى تطمئن قائماً ، واسجد حتى تطمئن ساجداً ، واجلس بين السجدتين حتى تطمئن جالساً وهكذا (رواه الشيخان وأصحاب السنن من حديث أبي هريرة ) فالطمأنينة في جميع هذه الأركان شرط لا بد منه ، وحد الطمأنينة المشروطة قد اختلف فيه العلماء . فمنهم من جعل أدناه أن يكون مقدار تسبيحة كأن يقول : سبحان ربي الأعلى مثلا . وبعضهم - كالإمام شيخ الإسلام ابن تيمية اشترط أن يكون مقدار الطمأنينة في الركوع والسجود نحو ثلاث تسبيحات ، فقد جاء في السنة أن التسبيح ثلاث ، وذلك أدناه ، فلا بد أن تطمئن بمقدار ثلاث تسبيحات .. ويقول الله عز وجل : ( قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون )المؤمنون : 1،2 .

والخشوع نوعان : خشوع بدن ، وخشوع قلب .

فخشوع البدن : أن يطمئن البدن ولا يعبث ولا يلتفت المرء تلفت الثعلب .. ولا ينقر الركعات والسجدات نقر الديكة وإنما يؤديها بأركانها وحدودها كما شرعها الله عز وجل ..

لابد إذن من خشوع البدن .. ولا بد من خشوع القلب …

وخشوع القلب معناه استحضار عظمة الله عز وجل ، وذلك بالتأمل في معاني الآيات التي تتلى ، وبتذكر الآخرة ، وبتذكر أن المصلي بين يدي الله عز وجل .. وأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) . قال الله تعالى : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) . قال الله عز وجل : أثنى عليًّ عبدي. وإذا قال : ( مالك يوم الدين ) قال الله تعالى : مجدني عبدي . وإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ، قال الله تعالى : هذا بيني وبين عبدي ، وإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم ) . قال الله تعالى : هذا لعبدي . و لعبدي ما سأل ) (رواه مسلم )

فالله سبحانه وتعالى ليس بمعزل عن المصلي ، ولكنه يجيبه فلا بد أن يتجاوب المسلم المصلي مع الله عز وجل ، وأن يستحضر قلبه في كل حركة من حركات الصلاة ، وفي كل وقت من أوقاتها ، وفي كل ركن من أركانها ، فالذين يصلون وكل همهم أن يفرغوا من الصلاة ، وأن يتخلصوا منها ، وأن يلقوها كأنها عبء فوق ظهورهم ، فإنها ليست هذه هي الصلاة المطلوبة وكثير من الناس يصلون في رمضان العشرين والثلاث والعشرين ركعة في دقائق معدودات ، كل همه أن يخطف الصلاة خطفاً ، وأن ينتهي منها في أسرع وقت ممكن … لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها .. فهذه كما ورد في الحديث : ( تعرج إلى السماء وهي سوداء مظلمة تقول لصاحبها : ضيعك الله كما ضيعتني). والصلاة الخاشعة المطمئنة تعرج إلى السماء بيضاء ناصعة تقول لصاحبها : حفظك الله كما حفظتني .

ونصيحتي لكثير من الأئمة والمصلين الذين يصلون هذا العدد بغير إتقان ولا خشوع ولا حضور قلب ولا سكون بدن ، أن يصلوا ثماني ركعات مطمئنة خاشعة متقنة خير من هذه العشرين ، فليست العبرة بالكمِّ والكثرة ، ولكن العبرة بالكيف والنوع … العبرة في الصلاة نفسها .. هل هي صلاة الخاشعين ؟ أم هي صلاة الخاطفين ؟

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المؤمنين الخاشعين

Minggu, 07 September 2008

Jumah Amien


حماس تدعو عباس لتبني إستراتيجية أكثر واقعية وعدم الإصرار على نهج التسوية... الرئيس التركي متفائل بنتائج زيارته لأرمينيا... الرئيس الباكستاني يتعهد بتقوية البرلمان والديمقراطية... الأمم المتحدة تدعو لإجراء الانتخابات المحلية بالعراق قبل نهاية العام الجاري... محادثات مصالحة في طرابلس المضطربة بشمال لبنان... جورجيا ستطلب من محكمة بلاهاي وقف "انتهاكات" روسيا... شتاينماير ينافس ميركل على منصب المستشار الألماني... رئيس الوزراء الكندي يدعو لانتخابات يوم 14 أكتوبر... مصر تهزم الكونغو وتتأهل للتصفيات الإفريقية النهائية المؤهلة لكأس العالم.

جمعة أمين يتذكر بدايات الصوم: رمضان شهر التوبة


الداعية جمعة أمين

- القيام في المعتقل له مذاق خاص والأخوة كلمة السر

- الإخوان أعادوا سنة الاعتكاف وصلاة الخلاء بالإسكندرية

- رمضان شهر الأخلاق وفرصة لينطبق القول مع العمل

- على الدعاة استخدام الأسلوب اللين لترقيق قلوب الصائمين


حوار- أحمد رمضان:

"أهلا بالمطهر" هكذا كان يردد سلفنا الصالح كلما هلَّ شهر رمضان المعظم؛ باعتباره الفرصة الأكبر للتطهر من ذنوب عام مضى والتزود لعام جديد؛ ولكن كيف كانوا يستغلونه؟ وما هو البرنامج العملي الذي يجب أن يسير الصائم عليه في شهر رمضان؟ وكيف يكون حال الداعية مع المدعوين؟ أسئلة عديدة طرحناها على مائدة الحوار الرمضاني مع الأستاذ جمعة أمين عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين.

* بدايةً.. كل عام وأنتم بخير بمناسبة حلول رمضان أعاده الله عليكم بالخير والبركة، ورمضان كما عودنا لا يمر دون أن يترك في ذاكرتنا آثارًا منه، فهل ذكرتم لنا بعض مواقفه التي لا تنسى؟

** الذكريات كثيرة؛ أذكر منها أننا بعد خروجنا من المعتقل في منتصف السبعينيات كان هناك فرص طيبة للقاء الشباب ممن اجتهدوا في طريق الدعوة الإسلامية، وكانت السبعينيات فترة انطلق فيها الشباب المسلم الصوَّام القوَّام وجاء رمضان فرصةً جميلةً لهم، وكم دمعت عيناي وأنا أرى الصبية والشباب والنساء والرجال والكهول وهم يستغربون سنة الاعتكاف؛ فأردنا أن ننشر هذه السنة بين المسلمين في بعض المساجد التي كنا نصلي فيها؛ كم كان الأمر غريبًا بل لم أكن مبالغًا إن قلت إن البعض استنكروه في البداية، وكان السؤال: ما هو الاعتكاف وكيف يكون؟ وهل ننقطع عن أعمالنا الدنيوية من الأكل والسعي إلى معاشنا؟ فكانت فرصة لنا أن نبين هذه السنة، وأن مَن أحيا سنة من سنن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحيا الله قلبه؛ كان الإقبال ضعيفًا في أول الأيام ولكن سرعان ما استجاب الناس، ومما أذكره أن بعض الشباب يتساءل كيف لا نخرج من المسجد إلا لضرورة، خاصةً أن الاعتكاف نكون فيه متجردين لله تعالى، وهنا أذكر أنه من الأشياء المضحكة أن أحد الشباب سأل: تعودنا أن نقص شعرنا قبل العيد، وأن نتزين له فقلت له هذا أمرٌ أسهل مما تتصور، وجئنا بحلاقٍ في ليلة العيد فحلق الشباب رأسه وتزيَّن في داخل المسجد نفسه وقضوا وقتًا طيبًا وانتهزنا هذه الفرصة في أننا تعرفنا على الشباب وتعرف الشباب على دعوتنا وكان مخيمًا ربانيًّا تعلَّم فيه الشباب كيف كان يقوم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الليل إلا قليلاً نصفه أو يُنقص منه قليلاً أو يزد عليه ويرتل القرآن ترتيلاً، حلقات في النهار دروسًا في الإسلام تفهيمًا وقيامًا بالليل وإفطارًا جماعيًّا.

* كيف تتذكر هذه الأيام؟

** أذكر هذه الأيام فتدمع العين وأتعجب ممن يسعون في هذه الأيام لكي يمنعوا هذا الخير ويمنعوا هذه المدرسة التربوية الربانية في المساجد؛ فهذه الأيام نسمع أنه لا موائدَ للرحمن ولا اعتكافات في المساجد، عجبًا؛ فإن كان هناك مباراة في ساعاتٍ متأخرة من الليل قاموا الليل لمشاهدة المباراة، وإن كان حفلاً غنائيًّا فحدث ولا حرج، أما المساجد فيقول عنها المولى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)﴾ (البقرة)، فكانت أيامًا طيبةً وفي آخر الأيام جلسنا مع شباب الإخوان وكانت أول مرة في تاريخ الإسكندرية نخرج مكبرين ونُصلي العيد في الخلاء، وأحيينا سنة العيد في الخلاء لأول مرة، وكان في استاد الجامعة ثم نقلنا الصلاة فيما بعد إلى استاد البلدية، وعندما شعرنا بأن هناك اتجاهًا لمنعنا من الصلاة في الخلاء، قمنا بالصلاة في الخلاء في جميع أنحاء الإسكندرية، وكانت المسيرات تجوب الشوارع تُهلل وتُكبِّر من بعد صلاة العشاء حتى صلاة الفجر.. هذه الأعمال يعود الفضل فيها إلى الله تعالى ثم للإخوان الذين كان لهم دور في إحياء مثل هذه السنن، ونسأل الله دوامها.

* ماذا تذكر عن بداية رمضان؟

** الذكريات مرتبطة بالنصائح؛ فأذكر وأنا صبي أنه كان يجمعنا شيخ المسجد في أول ليلةٍ في رمضان لكي نتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ونقول: تُبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، ونتوجه إلى الله بقبول هذا الشهر والعون على صيامه؛ فالنصيحة التي أنصح بها نفسي وإخواني من المسلمين هي وقفة مع النفس واستعراض عام مضى من عمرنا وابن عباس يقول: "يا بن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك"؛ فمطلوب وقفة محاسبة مع النفس وتوبة وعزم على الطاعة والاستقامة، فضلاً عن إخلاص النية، ويوم أن نُخلص النيات فسيؤلف الله بين قلوبنا، وهذه الألفة تأتي بالعمل الصالح.. ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)﴾ (مريم)، من قيام وصيام وتسامح وتصافح وصلة أرحام وإمساك للسان إلا بالقول الطيب، أما الثانية فقراءة القرآن، فالذين لا يعرفون الأوراد إلا في رمضان ليتهم يُدربون أنفسهم على تحديدِ وردٍ من القرآن أقله جزء يقرؤه يوميًّا يتدبر فيه الآيات، ويستخلص فيه الدروس والعبر، ويقف أمام الدروس التربوية.

أما الثالثة فشاء الله تعالى أن تكون من سماتِ هذا الشهر، وهي الوحدة والجماعة ودين الإسلام دين الجماعة، ورمضان يُذكِّرنا بهذه الوحدة والوجهة والسلوك والتعبد لله سبحانه، لعل الله ينصرنا بالقرب إليه على الظالمين الذين ظلمونا، وعلى الكافرين ممن عادونا، وعلى كل مناوئ للدعوة بوحدةِ المسلمين في منهجها.

الأمر الأخير الذي أُحب أن ألفت إليه النظر هو "الأخوة" التي جعلها الإمام البنا ركنًا من الأركان، وجعلها ابن القيم عقدًا من العقود التي بين الإنسان وبين ربه، هذا الركن الركين يتحقق عمليًّا في هذا الشهر حين نُسبِّح ونُكبِّر ونُهلل ونصلي ونقوم ونعتكف، وشاء الله تعالى أن يكون أول نصرٍ للمسلمين وهم قلة على الكفرةِ في بدر، وكان السبب الأساسي لا كثرة عددهم ولا كثرة عتادهم، ولكن في المقام الأول بسجودهم وركوعهم فحققوا ركن الإيمان، وحققوا ركن الأخوة، وما الإسلام إلا هذان العقدان (الإيمان)؛ وذلك حق الله على العباد، و(الأخوة)؛ وذلك حق الأخ على أخيه، ولا شك أن كلام عبد الله بن عمر من أنسب ما يُقال في هذا الموقف، فيقول: "والله لو صمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت مالي غلقًا غلقًا في سبيل الله، وأموت يوم أموت وليس في قلبي حب لأهل طاعته ولا بغض لأهل معصيته ما نفعني ذلك شيئًا"؛ بمعنى أن شريعة الله لا تتحقق إلا بالأخوة.

* وماذا عن ذكريات رمضان في المعتقل؟

** أتذكر أننا كنا نحتفل في رمضان بالنصر، وكنا نستبشر من هذا الانتساب للنصر إلى رمضان وإلى بدر التي كانت مثالاً للمسلمين، المقصود في المعتقل ليس أن لرمضان خصوصية فيه بقدر ما الصيام في ذاته جامع للمسلمين ووحدتهم، فما بالكم عندما يجمع الظلمة المسلمين عنوةً، وهم لا يدرون أن هذا الجمع الطيب الذي اجتمع على قول الله تعالي ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ (الفتح: من الآية 4) فكنا نُقيم الليل في رمضان، وكان له طعم ومذاق وصفاء نفس وإخلاص في التوجه إلى الله سبحانه وتعالي، فالحقيقة كان فيه لون من ألوان الألفة والوحدة التي لا تجمعنا على طعامٍ واحدٍ وإفطار واحد فحسب، ولكن أيضًا على قيام الليل الذي قال رب العزة فيه ﴿وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ (الإسراء: من الآية 79)، فالإنسان عندما يكون في شدةٍ يكون أقرب إلى الله، فما بالك عندما تأتي الشدة في رمضان، ولقد انتظرنا الإجابة من المولى وقد أتت مسرعةً.

* يحمل كل مسلم معنى بداخله لرمضان؛ فماذا يعني هذا الشهر للأستاذ جمعة أمين؟

** هذا الشهر له فضله، بما فضَّله المولى سبحانه وتعالى؛ فهو شهر جمع بين الفرائض جميعًا نصوم ونقوم ونُصلي ونُزكي، والعمرة في العشر الأواخر فيه بمنزلةِ الحج، والحقيقة أن هذا الشهر نموذج للمسلم كي يحتذي هذا السلوك الذي يسلكه في هذا الشهر لكي يطبق هذا السلوك في العام كله ليكون نموذجًا للمسلم خلقًا ودعوةً وتطبيقًا للإسلام والواقع.

* ما أهم ما يُميز هذا الشهر؟

** إنَّ أهم ما يُميز هذا الشهر هو الأخلاق، وأستطيع أن أقول بكل جوارحي وبكل نبضة في أن هذا الشهر نستطيع أن نُسميه شهر الأخلاق الإسلامية الذي يحقق قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فأنت في هذا الشهر لا تقول للناس إلا حسنًا؛ وأنت في هذا الشهر تدفع بالتي هي أحسن وإن أساءوا إليك، أنت في هذا الشهر الكريم رجل إن رماك الناس بالحجر ألقيت إليهم بالثمر، هذا الشهر الكريم الذي يُعلمنا كما نأكل طيب الطعام فإننا نتحرى طيب الكلام، إنه شهر كريم حقًّا فيه ما فيه من حسن الخلق؛ انظر إلى قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- "فإن سابك أحد أو شاتمك فقل إني صائم"؛ ما معنى أني صائم؟ معناها أنك صاحب خلق.

أقول هذا شهر كريم تتجلى فيه الأخلاق، بل إن أهم ما يتميز به المؤمن في هذا الشهر أن يترجم أقواله إلى أفعال وسلوك وإلا فما قيمة الصوم إن كان بذاءً أو شتامًا أو عنيفًا مع الناس.. كيف يكون ذلك مع مَن قام الليل وصام النهار وتلا القرآن ورطَّب لسانه بذكر الله بعين دامعة وجسد خاشع وأقدام متورمة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)﴾ (الأنفال).

* ما هي مشاهد الأخوة التي تلتمسها في الشهر الفضيل؟

** حينما نسمع أذان المغرب نجد الكل يقتسم التمرة ليسرع بإفطار أخيه هذا منظر جميل؛ لأن مَن فطَّر مسلمًا ثوابه عند الله عظيم والمولى يضاعف أجره نظير هذا العمل، والناس تتخذه موسمًا للأذكار والأوراد وللأسف نجد أنه ثاني يوم العيد كأن هذه العبادات لم تكتب إلا في رمضان، أما الدعاة فيتخذون من رمضان منطلقًا للجهد والجهاد والحب والألفة والأخوة والحرص على الجماعة وكل المعاني الطيبة.

* أخيرًا نصائح تقدمها للدعاة في رمضان؟

** أختم للدعاة بآيات الصيام التي فيها توجيه للدعاة كيف يدعون إلى الله فيقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة)، أي أن هناك بشرًا قبلكم صاموا؛ فحنانيكم بالناس؛ ثم يقول ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ (البقرة: من الآية 184)؛ وصدق على حين قال: من لانت كلمته وجبت محبته، والصيام يُعلمنا كيف نصبر ونتدرج مع الناس في الدعوة إلى الله وكيف نُشجِّع المبتدئ على أن يستمر في طاعة الله فلا نلمز أحدًا ولا نقلل من شأن أحد، ولكن نشعر بأننا جميعًا نحوم حول شيء واحد ألا وهو التقوى.

نسأل الله أن يأتي رمضان وقد نصر الله المجاهدين خاصةً في غزة المثابرين الصامدين حتى يرينا الله نصره رأي العين ولو نقول متي هو ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء: من الآية 51).

Hijab


Asww.
يأتي شهر رمضان المبارك بكثيرٍ من المظاهر الروحانية الرائعة، فيرسم صورة إيمانية عالية؛ من بينها إقبال غير الملتزمات بالحجاب على ارتداء هذا الزي الإسلامي الذي فرضه الله عز وجل، إلا أن تلك الصورة قد تهتز وتبهت ألوانها بالحجاب الموسمي الرمضاني الذي سريعًا ما يُنزَع بانقضاء أيام الشهر الكريم؛ الفعل الذي يجرمه البعض ويبادر برمي الحجر على صاحبته؛ دون تأنٍّ أو تفهم، ودون إدراك لتلك الفرصة السانحة والأبواب المفتوحة على واسع فيض الشعور بالله وعظمته، والتي إن اقتُنصت سار الحجاب الموسمي جزءًا لا يتجزَّأ من كيان الفتاة.



فالواقع أننا قد نتحايل على أنفسنا كثيرًا و نهادن ضمائرنا أكثر، ونتصادم مع الآخرين أحيانًا أو لا نبالي بهم إطلاقًا، وقد نختلف في الآراء أو نتحزَّب، ولكن تظل المسلَّمات الدينية أمرًا واقعًا لا تبديل لها، وينقصنا- كنفوس بشرية- فن التعامل والتعاطي مع أنفسنا قبل الآخرين.



مخدر للضمائر

الدكتور شحاتة محروس أستاذ علم النفس بجامعة حلوان يطالب بعدم إحباط تلك الفتاة أو النفور منها، ويرى أن علينا أن نتودَّد إليها وندعوَها إلى الاستمرار؛ لأن الله يرحب بأي تقارب وأي جهد اتجاهه.

ويوضِّح أن تلك الظاهرة صحية؛ لأنها تدل على أن الفتاة تشعر أنها على خطأ وتتوجه إلى الصواب ولو بخطوات متباطئة.

ويؤكد أن الأسباب النفسية لظاهرة الحجاب الموسمي في رمضان أبسط مما نتصور؛ فالجو العام لشهر رمضان الكريم قابل للتدين، ويهيِّئ الإنسان للتقرب إلى الله، فتجد الفتاة نفسها محبة للطاعة وغارقةً في جوٍّ إيماني لا تستطيع أن تنقصه بامتناعها عن الحجاب، فضلاً عن كون الحجاب الموسمي يمثِّل المخدِّر و"البنج" الذي يخدِّر ضمير الفتاة عن تركها فريضة الحجاب؛ فالإنسان عندما يفعل الصواب لبعض الوقت تهدأ نفسه وتستريح نسبيًّا، ولكن الخطأ هو العودة بعد شهر رمضان إلى المعصية والضلالة، وسبب تلك العودة هو اتباع الفتاة للهوى، فتبيح لنفسها وتبرر الأمر لذاتها فتخلع الحجاب مرة أخرى؛ وذلك بمساعدة بعض العوامل الخارجية، مثل الصديقات غير المحجبات، ومفهوم اللهو والاحتفال الذي يمارسه البعض في عيد الفطر ببعض الطقوس، فتخلع الفتيات الحجاب ويتزيَّنَّ ويرتدين ملابس جديدة ويخرجن للتنزه مع عائلاهن وصديقاتهن، ومع تلك الردة يعود إلى الفتاة ذات الشعور الأول بعدم الراحة وبألم المعصية.



ويستنكر شحاتة محروس تنازل الفتاة عن خطواتها الجيدة التي أحرزتها في اتجاه الله مثل الأعياد والأفراح وخاصةً حفل زواجها، مؤكدًا أن الفرح ليس بالخطأ، ولكن هناك طرق كثيرة للفرح دون إغضاب الله، وان تلك الأفعال هي خلل في فهم الناس لمعنى الفرح.

وعن كيفية استغلال تلك الومضة الإيمانية لدى الفتاة غير المحجبة في شهر رمضان يقول: "إنه لا بد من تشجيعها ومدحها كثيرًا والثناء عليها وعلى مظهرها، وعلينا أن نصف ذلك الضوء الساطع في وجهها نتيجة إحساسها بالطاعة، ونحببها في حجابها ومظهرها، ثم علينا أن نجمعها بصديقات محجبات يعنِّها على الحجاب والطاعات والفضائل، فتجد نفسها بينهم بحجابها؛ لأنها إن ظلت مع غير المحجبات سيهاجمها شعور الغربة بين الحين والآخر، وعلينا أن نوضح لها أن كل من يقول لها "اخلعي الحجاب رمضان خلص" هو عدو وليس صديقًا، وأن المجموعة التي ترفضها بحجابها هي مجموعة لا تستحقها.

وزر الآباء والأمهات

وحول الموقف السلبي لكلٍّ من الأب والأم عند خلع فتاتهم الحجاب فيقول: "إن الصمت عن خلع الحجاب من قِبل الوالدين سلوك مخطئ؛ يحمل بين ثناياه موافقة ضمنية، وكأنهما يقولان لها أن تستمر على ذلك"، مضيفًا: "الآباء والأمهات يربون أولادهم على أن معنى الحرية هو أن تفعل ما تريد بصرف النظر عن أن هناك مسلَّمات لا يصلح أن تدخل فيها الحرية؛ لأن الحرام مرغوب فيه من النفس البشرية، ولكنه حُرِّم لحكمة عند الله قد يدرك العاقل ويقتنع بها وقد تغيب عن وعي الغافل، ولكن لا بد أن يخضع لها حتى يدركها مختلطةً بحلاوة الطاعة؛ فالعبادات والفرائض والمحرمات لا يمكن أن نسمح بانزلاقها في مفاوضات مع مفهوم الحرية؛ فالحرية يجب أن لا تمس العقيدة".



ويؤكد أن واجب الأب والأم أن يغرسا قيمة الحجاب في نفس الفتاة منذ الطفولة، حتى تتعوَّد في كِبَرها عليه؛ فنحدثها عن الحجاب ونغرسه في نفسها ونشتري لها أنواعًا جميلة منه في صغرها ونشركها في اختيارها، ونمنيها بيوم ارتدائها، ولكن في وقت البلوغ لا بد من الإجبار ولكن مع شيء من اللين والإقناع والحوار والترغيب، وهنا يظهر مدى فائدة العلاقة الطيبة بين الوالدين وابنتهما؛ فالفتاة التي تمتلك رصيدًا من العواطف والتقارب مع والديها تميل إلى لصواب وتبعد عن المكروه حفاظًا واحترامًا على ذلك الرصيد.



الثواب في النية

ويؤكد الدكتور مجدي شلش رئيس قسم أصول الفقه بكلية الدراسات الإسلامية، فيقول إنه إذا كانت النية لدى الفتاة في حجابها الرمضاني هو التستر والاحتشام وإتمام صيامها الذي من شروطه الحجاب والحفاظ على صيام الآخرين وتنفيذ ما أمر الله، فإنها تثاب على ذلك، كما يقبل أيضًا صيامها، وإن كان حجابها ذلك لرمضان فقط أو كان ما تفعله "موضة" دون نية الاحتشام فلا تثاب.



ويؤكد شلش أن خلع الحجاب بعد رمضان أثم ومعصية ومخالفة لأمر الله؛ تجازى عليها الفتاة؛ لأنها خالفت ما اجتمعت عليه الأمة.



ونفى شلش أن يكون خلع المرأة الحجاب بعد رمضان استهزاءً بالدين، ولكنه نوع من الهوى والمعصية وعدم الاستجابة لله؛ نظرًا لضعف الإيمان، ولا يعني الخلو من الدين؛ مؤكدًت أن الكثير منا يفعل الطاعات في رمضان ولا يستطيع ذلك بعد رمضان، ولكن الأذكى والأصلح والأتقى هو من يستمر على الطاعات ويجاهد نفسه لأداء النوافل.



ويؤكد أن خطوة ارتداء الحجاب في رمضان محمودة؛ لأن النفس البشرية لا تقنع ولا تهدأ للشيء إلا بصورة متدرجة، أما أصحاب العزائم فهم القادرون علة إلزام أنفسهم وجهادها، وهم أصلح وأتقى.



ويرشدنا إلى كيفية التعامل مع صاحبة الحجاب الموسمي قائلاً: "لا بد أن نوقظ الإيمان في قلبها ونخبرها بالحكمة والموعظة الحسنة أن الحجاب اكتمال إنساني وكمال بشري، وأن المرأة صاحبة الدين والخلق تكتمل بالحجاب، ونذكرها بالله ورضاه ورضا رسوله والمجتمع الفاضل السليم، أما المجتمع الذي يستهزئ بالحجاب فلا يجب أن ننظر أو نلتفت إليه".



ويضيف: "اللين ما دخل في شيء إلا زانه، والرفق مطلوب والتذكرة الحسنة؛ فلابد أن نتعامل مع تلك الفتاة بحكمة ولا ننفرها ونقصي قلبها بسوء معاملتها، وعلينا أن نعلِّمها أن رضا الله أولى من رضا أي مخلوق، وأن الحجاب لطاعة الله وبرضا الله يرضى الناس، إلا أن خلع الحجاب يأتي نتيجة مؤثرات كثيرة وضغوط أكثر؛ فنحن نعيش في ظل إعلام مفتوح وردة حضارية وبُعد عن قيم الإسلام.



ويوجِّه نصيحة إلى الفتاة قائلاً: "على كل فتاة ألا تهتم بمن يردُّها عن الله، وأن تختار الرفقة الطيبة التي تساعدها على الطاعة؛ لأن الرفقة مهمة جدًّا لمن يسعى إلى الالتزام؛ وأن تدعو الله دائمًا أن يهديَها وأن يرزقها الحجاب والطاعة والإيمان، وأن يلين قلبها للعبادات وينفره من المعاصي".



ويقول: إن واجب المجتمع اتجاه تلك الفتاة هو واجب الطبيب نحو المريض؛ فلو نظر الطبيب إلى المريض نظرة سيئة سوف ينفر منه المريض ويرفض علاجه، ولكن الطبيب الماهر يرى المريض ويطمئنه ولا يخدعه، ولكنه يحن عليه ويشفق عليه ناظرًا إلى المستقبل، وواضعًا العلاج المناسب.



فالأمراض البدنية تختلف، وكذلك أمراض النفوس والمعاصي تختلف؛ فلا بد أن يمتلك المجتمع نظرة الطبيب الماهر الذي يحاصر المرض ويعالجه من جذوره حتى يتعافى المريض، وأن يستغنيَ عن نظرة الجزار الذي لا يفعل شيئًا سولا البتر والتقطيع.



عيون المجتمع العديدة

ويوضح الدكتور أيمن أنس أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق أن المجتمع اليوم، وبرغم كون الحجاب التزامًا دينيًّا أقرَّه الشرع، إلا أن الكثير يصور الحجاب وكأنه اختيار شخصي للفتاة، ومن يفعل ذلك يأخذه من المنظور الشكلي وليس الديني.



والكثيرون من أفراد المجتمع لا يدركون أن القيم ثابتة لا تتغير، وخاصةً الفرائض والفضائل، مضيفًا أننا لا نستطيع رفض ارتداء الفتاة الحجاب في رمضان وسوف نقول إنه شيء مقبول، ولعله البداية.



وعن نظرة المجتمع لتلك الفتاة يقول: "المجتمع به أنماط كثيرة: الأول ينظر إلى تلك الخطوة على أنها بداية صالحة وأمر طيب يُحمد، وهو أفضل من الاستمرار في المعصية في شهر الفضيلة، والنمط الثاني ينظر إلى الصورة السيئة وليس إلى الصورة الحسنة، ويركز على كونها بعد رمضان سوف تخلع الحجاب، ويتساءل: "لماذا تفعل؟!"، ويشكك في قيمها.



ويضيف: هناك نمط آخر منشغل لا ينتبه لمثل تلك الأمور ويراها من الحريات والاختيار الشخصي، ويتبع مبدأ "محدش فاضي لحد"؛ وذلك نتيجة المتغيرات العالمية والعولمة؛ فالجميع منشغل ومنصرف عن الدور الاجتماعي الطبيعي للمجتمع السليم في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف؛ فعلى المجتمع أن يقوِّم أفراده ويردهم عن الخطأ؛ فلو وجد كل فرد نفسه مهدَّدًا بالنبذ والوحدة سوف يراجع نفسه حتى لا يقع في دائرة الإقصاء الاجتماعي.






مسلمات يجبرن شركة أمريكية على احترام الحجاب أثناء العمل

الحملة على الحجاب.. موالاة إبليس